• القلق يسود الأسواق العالمية عقب «انتخابات التقشف» في إيطاليا

    27/02/2013

    فوز أحزاب مناوئة لـ «اليورو» قد يعطل الإصلاحات القلق يسود الأسواق العالمية عقب «انتخابات التقشف» في إيطاليا 
     

    رجل ينظر إلى لوحة تعرض أسعار الأسهم في طوكيو أمس، حيث اضطربت الأسواق العالمية بعد فوز أحزاب إيطالية بالانتخابات قد تؤثر على استقرار منطقة اليورو. رويترز

     
     
     

    شهدت الأسواق الدولية اضطرابا في تعاملاتها أمس مع تصاعد المخاوف بشأن الأزمة السياسية في إيطاليا، التي قد تؤثر في منطقة اليورو المثقلة بالديون.
    فالانتخابات التي أعلنت نتائجها أمس لم تحسم بشكل قاطع لصالح حزب أو تيار سياسي واحد، وتعني عمليا أن المسرح السياسي الإيطالي سيصاب بحالة من الارتباك في الأشهر المقبلة، وهذا تحديدا ما يثير قلق قادة منطقة اليورو.
    وتركزت بواعث قلق الأسواق بعد فوز أحزاب مناوئة لليورو أمس بأكثر من 50 في المائة من الأصوات، ما قد يعرقل إصلاحات اقتصادية في إيطاليا ويرفع تكاليف الاقتراض.
    فالبرنامج الإصلاحي لرئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو مونتي قد يتعرض للشلل، وهو ما ستكون له تداعيات اقتصادية على ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ومن ثم بقية دول المنطقة.
    واستبعد سيلفيو برلوسكوني زعيم تحالف يمين الوسط الفائز بـ 29.18 في المائة من مقاعد مجلس النواب، التحالف مع ماريو مونتي، قائلا إن سياسات التقشف التي انتهجها أدخلت إيطاليا في كساد، وأضاف أنه ليس قلقا من رد فعل سلبي للأسواق لنتائج الانتخابات أو زيادة محتملة في تكلفة الاقتراض.
    ويرى محللون أن تزايد التأييد الشعبي للأحزاب الإيطالية المعارضة لسياسات التقشف التي يوصي بها الاتحاد الأوروبي أدى إلى انتخاب برلمان معلق في ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ليخيم شبح عدم الاستقرار السياسي لفترة طويلة على البلاد.
    وقالت صحيفة ''ألكورييرا ديلا سيرا'' كبرى صحف إيطاليا إن نجاح حركة خمس نجوم بقيادة بيبه غريلو، التي حصلت على ربع الأصوات وتسببت في جدل سياسي في البلاد، يمثل ''فوزا لإيطاليا المشككة بأوروبا في مواجهة سياسة التقشف الاقتصادي''.
    أما صحيفة ''لاريبوبليكا'' فتحدثت عن ''إيطاليا غير قابلة للحكم'' بعد الصعود القوي لبرلسكوني الذي رحل عن الحكومة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011م، والهبوط المفاجئ لماريو مونتي رئيس الوزراء الذي انطلق سياسيا في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2011م.
    وبرأي الصحيفة، فإن السياسات الشعبوية هي التي انتصرت، وهي القوى التي راهنت على السخط الاجتماعي الذي تفجر في وجه أوروبا والضرائب.
    كما قالت صحيفة ''لاستامبا'' في افتتاحيتها إن إيطاليا أفرغت غضبها في الانتخابات. ''مع هذا التصويت، نسمع أصوات وروايات أولئك الذين لا يجدون عملا، لا يملكون ما يكفي لينفقوه حتى نهاية الشهر مع رواتبهم التقاعدية، يعتقدون ألا مستقبل لهم ويهربون إلى الخارج، وأولئك الذين أغاظتهم الضرائب الجديدة التي لا تطاق''.
    وفور إعلان النتائج، قال وزير الاقتصاد الألماني فيليب روزلر إنه كان ينتظر أن تحقق الأحزاب المؤيدة للإصلاح نتائج أفضل في الانتخابات الإيطالية، وطالب إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بالمضي قدما في تطبيق الإصلاحات.
    وقال روزلر: ''لا بديل عن الإصلاحات الهيكلية الجارية بالفعل الآن والتي تشمل تعزيز الميزانية وزيادة القدرة التنافسية''، مضيفا أن كل الأحزاب الإيطالية بحاجة إلى المساهمة في إشاعة الاستقرار في البلاد المثقلة بالديون.
    ودعا رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز في بروكسل إلى ''حكومة مستقرة في واحدة من أكثر الدول الأعضاء أهمية في الاتحاد الأوروبي وإحدى الدعائم التي تقوم عليها منطقة اليورو. ما يحدث في إيطاليا يؤثر علينا جميعا''.
    وفي إسبانيا، التي تواجه ضغوطا متزايدة في السوق بسبب عدم اليقين في إيطاليا، أعرب وزير الاقتصاد لويس دي جويندوس عن ثقته بإمكانية توصل إيطاليا إلى ''حكومة مستقرة''، مؤكدا أن الأسواق المالية ستبقى متوترة لـ ''فترة قصيرة''.
    وانخفض أمس مؤشر الأسهم الإيطالية 1.6 في المائة، لكن ذلك قبل بدء تداول أسهم القطاع المصرفي، ومع بدء تداول أسهم القطاع تفاقمت الخسائر سريعا إلى 5 في المائة لتصبح السوق الإيطالية هي الأسوأ أداء في المنطقة.
    كما ارتفعت تكلفة الاقتراض لأجل ستة أشهر في إيطاليا بعد أن باعت الخزانة في مزاد أذونا بقيمة 8.75 مليار يورو (11.45 مليار دولار) بعائد 1.237 في المائة، وارتفعت تكلفة الإقراض 0.51 في المائة مقارنة بمزاد مماثل في أواخر كانون الثاني (يناير).
    وتراجعت الأسهم الأوروبية مع هبط مؤشر ''يوروفرست 300'' لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 1.3 في المائة إلى 1151.73 نقطة، في حين انخفض مؤشر ''يورو ستوكس 50'' للأسهم القيادية بمنطقة اليورو 2.6 في المائة إلى 2584.98 نقطة.
    وكان مؤشر ''ستوكس 600'' لقطاع المصارف الأوروبي هو الأسوأ أداء بانخفاضه 2.8 في المائة، بقيادة سهم بنك ''انتيسا سان باولو'' الإيطالي الذي هبط 10 في المائة.
    وفي اليابان، تراجع مؤشر ''نيكّي'' للأسهم اليابانية 3.2 في المائة، في أكبر خسارة له في جلسة واحدة على مدى أكثر من شهر، وهبط ''نيكّي'' 263.71 نقطة إلى 11398.81 نقطة لينزل عن أعلى مستوى في 53 شهرا الذي سجله في الجلسة السابقة. وفقد مؤشر ''توبكس'' الأوسع نطاقا 1.4 في المائة مسجلا 966.77 نقطة.
    وهبط اليورو إلى أدنى مستوياته في سبعة أسابيع أمام الدولار مسجلا في التعاملات المبكرة في لندن 1.3018 دولار، لكنه عاد إلى الارتفاع بعد أن عاد بعض المستثمرين والمضاربين إلى شرائه مسجلا أعلى مستوى في الجلسة عند 1.3119 مرتفعا 0.4 في المائة عن الجلسة السابقة.
    وتراجع السعر الفوري للذهب في بداية التعاملات، لكنه عاد إلى الارتفاع مدفوعا بطلب على المعدن كملاذ آمن في مواجهة المخاطر الناجمة عن نتائج غير حاسمة للانتخابات الإيطالية، وانخفض الذهب 0.25 في المائة إلى 1597.66 دولار للأوقية (أونصة)، وزادت عقود الذهب الأمريكية تسليم نيسان (أبريل) 10.70 دولار إلى 1597.30 دولار.
    ''لم يكن من الممكن تصور وقت أسوأ من هذا الوقت لتخرج نتيجة الانتخابات الإيطالية بهذا الشكل''، وفقا لما أكده الصحفي البريطاني المتخصص في الشؤون الإيطالية ترايان ايان.
    وقال لـ ''الاقتصادية'' إن هذه الانتخابات كانت ترمي إلى إيضاح الصورة بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي لرئيس الوزراء مونتي. ''لكن النتيجة كانت مزيدا من الغموض، وتعزيز التوقعات السلبية''.
    وتوقع حصول نتائج شديدة السلبية على الاقتصاد الإيطالي واقتصاد منطقة اليورو. ''فالأسواق تريد دائما صورة واضحة واستقرارا، وهذا ما لم يتحقق في تلك الانتخابات''.
    وحول تأثير عدم الاستقرار في إيطاليا على توجهات السوق المستقبلية، توقع الدكتور واردن جيريما أستاذ الاقتصاد الدولي أن تشهد إيطاليا انتخابات مبكرة ربما خلال ستة أشهر. ''فالانعكاسات السلبية على الأسواق لن يستطيع أحد تحملها''.
    وقال: ''من المفارقات الاقتصادية أن يكون أسوأ كابوس بالنسبة لمنطقة اليورو وتحديدا ألمانيا هو أن يعود برلسكوني إلى سدة الحكم، فألمانيا والبنك المركزي الأوروبي هما من لعب الدور الرئيس لإسقاط برلسكوني عام 2011م''.
    وقال إن رئيس الوزراء الإيطالي المنتهية ولايته ماريو مونتي سعى خلال عام وثلاثة أشهر إلى تطبيق برنامج للإصلاحات الهيكلية، يتماشى مع رؤية ألمانيا المالية باعتبارها أقوى اقتصاد في أوروبا. ''وأيضا -وهذا هو الأهم- خفض تكلفة الاقتراض الإيطالية على أسواق السندات. هذا كله مهدد الآن بسبب نتيجة الانتخابات''.
    ويعتقد المراقبون أن تشكيل حكومة من يسار الوسط في إيطاليا يعني أن تتحالف روما مع باريس للدفاع عن سياسات النمو والتوظيف في منطقة اليورو، لكن اشتداد الأزمة على الاقتصاد الفرنسي يدفع بعدد من الاقتصاديين للتشكك في جدوى هذا التحالف الاقتصادي مستقبلا.
    ووصف لـ ''الاقتصادية'' إيريك روجري أحد المتعاملين في البورصات الأوروبية وضع بورصة ميلانو الإيطالية بـ ''المأساوي''، واعتبر أن سبب هذه المخاوف هو توقع المستثمرين ارتفاع تكلفة اقتراض روما من الأسواق الدولية.
    وقال إن المشكلة التي تواجهها الأسواق أن السياسات التقشفية التي تتبناها الحكومات الأوروبية منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2008م، تؤثر في الحياة اليومية للناس بشكل كبير.
    ''هذا واضح في اليونان وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، ويصعب أن تطلب من الشعوب تبني هذا النوع من السياسات لسنوات دون أن تتوقع أن ينفعلوا في نهاية المطاف. هذا ما حدث في إيطاليا. انفعل الناخبون فارتبك المشهد السياسي ليأخذ معه الوضع الاقتصادي لمزيد من التدهور'' وفقا لإيريك.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية